امبراطورية رجال الاعمال في مصر تتوسع وتتبع استراتيجيات جديدة لتعزيز وجودها في المرحلة الرمادية التي تمر بها البلاد حاليا في ظل الغموض المستمر حول صحة الرئيس حسني مبارك، وعدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بمسألة الخلافة.
النظام في مصر يقوم على اساس تحالف وثيق بين مؤسسة الرئاسة التي يمثلها الرئيس مبارك ونجله جمال المرشح الاكبر للخلافة، ومجموعة من رجال الاعمال باتوا يشكلون طبقة تسيطر على مقاليد الامور، وتوظف مؤسسات الدولة في خدمة مصالحها المالية والشخصية.
هذا التحالف لم يعد سرا، بل حقيقة يعترف بها الجميع، ولكن الجديد هو محاولة ادخال تعديلات عليه، وفتح افق جديد لرجال الاعمال خاصة للاقتراب من الرأي العام المصري ومحاولة السيطرة عليه من خلال توزيع مراكز النفوذ.
هناك مساران رئيسيان للتوجه الجديد، او الاستراتيجية الجديدة لرجال الاعمال بالتنسيق الكامل مع مؤسسة الرئاسة، التي هي رأس النظام، وتتحكم بجميع الخطوط، ومراكز القوى بالتالي:
المسار الاول: يتمثل في الانخراط في احزاب جديدة غير الحزب الوطني الحاكم وتعزيزها لتشكيل معارضة ليبرالية مقبولة، ولكن ليست بعيدة عن النظام وسياساته.
المسار الثاني: الاستثمار بكثافة في وسائل الاعلام الخاصة لابعاد العناصر المعارضة والمستقلة منها اولا، والهيمنة على الرأي العام المصري، وتوجيهه الوجهة غير التصادمية مع النظام ثانيا.
التعبير الامثل عن المسارين المذكورين هو اقدام رجل الاعمال المصري البارز ورئيس حزب الوفد المعارض السيد البدوي على شراء صحيفة 'الدستور' اليومية التي حملت بقوة، طوال الاعوام الاخيرة، لواء معارضة التوريث، ومحاربة الفساد ورجالاته داخل النظام وخارجه، واضافتها الى امبراطوريته الاعلامية التي تشمل عدة محطات تلفزيونية وصحفا اخرى.
لا نعرف الخبايا الحقيقية لهذه الصفقة، وما اذا كان السيد البدوي يملك مشاريع خاصة او أجندات خفية من وراء هذه الصفقة، فما هو معلن ان الرجل يريد الحفاظ على الخط التحريري المعارض للصحيفة، ولكن لا توجد اي ضمانات في هذا الخصوص. فصاحب المطبوعة يستطيع ان يغير توجهاتها وفق آرائه ومصالحه.
السيد البدوي ربما يسير على خطى رفيق الحريري، او حتى روبرت ميردوخ الملياردير الاسترالي المعروف صاحب الامبراطورية الاعلامية العالمية العملاقة، فالاعلام سياسة، والاعلامي هو الذي يحدد أجندات السياسيين اليوم وليس العكس، مثلما هو عليه الحال في العقود السابقة.
ما يمكن استقراؤه من كل ما تقدم هو وجود خطة لدى النظام، بخلق معارضة علمانية ليبرالية قوية، تتصدى لتحالف الاخوان المسلمين مع حركة الدكتور محمد البرادعي. وحزب الوفد الليبرالي الذي يضم مختلف ألوان الطيف السياسي المصري هو المرشح الاكبر لهذا الدور
العدو الأكبر للنظام في مصر هو حركة الاخوان المسلمين، ولذلك يحشد كل قواه حالياً لمواجهة هذه الحركة وتقليص وجودها في الشارع، ولان كل الاحزاب الليبرالية او اليسارية الاخرى ضعيفة، فلا بد من قطع الطريق على هذا العدو، حتى لو جاء ذلك من خلال اعطاء مساحة اكبر لعدو تقليدي قديم للنظام وهو حزب الوفد، وهذا ما يفسر الصمت المدروس للنظام على النمو المتسارع لهذا الحزب اعلامياً وسياسياً.
الانتخابات النيابية المصرية على بعد شهرين تقريباً، ومن المفترض ان تؤدي الى برلمان جديد يعكس الخريطة السياسية الجديدة، ويعزز مسيرة التوريث، ولا بد ان هناك طبخة ما يجري اعدادها خلف الكواليس ومعظم طبقة رجال الاعمال مشاركون فيها، الامر الذي يتطلب شبكة اعلامية جبارة لتسويقها