طالب المفكر الإسلامى الدكتور محمد عمارة ، عضو مجمع البحوث الإسلامية، علماء الأمة الإسلامية ومفكريها ومثقفيها أن يوُلوا اهتماماً كبيرا لما أسماه "الواقع البائس" الذى يعيش فيه العالم الإسلامى، ضاربا مثلا بالغزوة الاستعمارية للعالم الإسلامى فى القرن التاسع عشر بزحف أوربا على العالم الإسلامى واحتلال أغلب الأراضى العربية، مضيفا أن الواقع الذى تعيش فيه الأمة اليوم أشد بأساً من حيث الغزو والاستعمار من القرن التاسع عشر، مشيرا إلى أن أكبر كم من الجيوش الغربية الغازية تعيش على أرض العالم الإسلامى، فأكبر كم من القواعد العسكرية الغربية تعيش عليها.
وأضاف عمارة فى كلمته أمس بملتقى الفكر الإسلامى، أنه عندما ننظر إلى خريطة القواعد العسكرية الأمريكية فى المشرق العربى نجد 35 قاعدة عسكرية ضرب منها العراق، وليس لدينا فى الغرب سفينة صيد واحدة أو عسكرى مرور، مشيرا إلى أننا نرى الآن الأرض التى حررها صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بدمائهم الزكية من الطاغوت الكسروى الفارسى نراها أعطيت مرة أخرى إلى الصليبية والصهيونية كى تسرح وتمرح فى أرض العالم الإسلامى، منتقدا حال الحكام العرب قائلا: عندما تكون الأرض محتلة وعندما يكون الحكام يعيشون فى ظلال أسوار القواعد العسكرية وليس لديهم حرية قرار فى تحرير القدس وفلسطين والحفاظ على المقدسات الإسلامية وفاقدين لحريتهم فى بلادهم فـلا ننتظر منهم شيئا لأن فاقد الشىء لا يعطيه.
و اعتبر المفكر الإسلامى عدم حديث الإعلام ورجال السياسة والأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى عن القواعد العسكرية والاحتلال والاستعمار فى العالم الإسلامى ولو بكلمة واحدة "خيانة" للأمانة وسيحاسبنا الله عليها يوم القيامة، مضيفا أنه لا يمكن أن يكون هناك مواطن حر فى وطن غير حر حتى لو كان هناك برلمان أو مجلس شورى أو مجالس محلية "واصفا ذلك بأنهم جالسون يتناقشون ويتعاركون داخل قفص مثل القردة لكن يظل القفص الأمريكى والغربى الاستعمارى يسلب معنى الحرية التى هى معنى الحياة"، وبنبرة تحمل معنى الطمائنينة قال "لكن لم اليأس؟ فالإمبراطورية الإنجليزية دفنت فى أرض العالم الإسلامى وكذلك الفرنسية والهولندية والإيطالية والفاشية والنازية، فكلهم إمبراطوريات دفنت فى أرض العالم الإسلامى،كما دفنت الإمبراطورية السوفيتية فى أفغانستان واليوم أبطال طالبان يدفنون أمريكا وحلف الأطلنطى فى أرض أفغانستان".
وأشاد عضو مجمع البحوث الإسلامية، بالمقاومة فى أفغانستان والعراق وفلسطين، مشيرا إلى أنهم يمتلكون الروح الجهادية الاستشهادية التى لا يمكن لأى قوة غازية أن تتغلب عليها، مطالبا المفكرين والعلماء أن يكونوا أمناء على الكلمة الإسلامية بأن يوُلوا قضية التحرر الوطنى وتحرير العالم الإسلامى اهتماماً،كما تطرق إلى مسألة الشورى والتى أكد فيها أن دولة الإسلام الأولى قامت على شورى المؤسسات، وكانت ثلاث مؤسسات: الأولى تضم العشرة المبشرين بالجنة الذين كانوا يرشحون الخلفاء الراشدين ثم يجمعون لهم البيعة، والثانية هى الاثنى عشر نقيبا الذين انتخبهم أصحاب بيعة العقبة، والثالثة مجلس السبعين بمشاركة 73 رجلا وامرأتين، مشيرا إلى أن المرأة شاركت فى أعلى مستوى من مستويات العمل السياسى قبل 14 قرنا والذى كان يعتبر أول مجلس شعب فى الإسلام وكان مقره مسجد النبوة وكانت تعرض عليه التقارير الوافدة من الإمارات الإسلامية، موضحا أن الرسول "عليه الصلاة والسلام" خضع لآراء الصحابة فى العديد من المواقف تحقيقا لمبدأ الشورى.
وأضاف أن الشورى فى الإسلام ليست مسرحية عبثية، بمعنى يستشير الحاكم بعض الناس وبعد ذلك يصرفهم ويصنع ما يشاء، مؤكدا أن الشورى ملزمة، مستشهدا بأن الرسول أراد أن يحارب داخل المدينة لكن الغالبية أرادت الحرب خارج المدينة فخضع الرسول لرأى الشورى، مضيفا أن ابن عطية- وهو من عظماء التفسير- عندما لخص موقف الشريعة الإسلامية من قضية الشورى قال "الشورى من قواعد الشريعة الإسلامية وليست مهمشة، كما أنها من عزائم الأحكام"، مؤكدا أن من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب وهذا مما لا خلاف فيه، كما تطرق إلى قضية العدل الاجتماعى والتى وصفها بأنها من الفرائض الغائبة عن واقعنا الإسلامى المعاصر، مشيرا إلى أن بعض المجتمعات الإسلامية مستوى دخل الفرد بها يقرب من 80 ألف دولار سنويا، كما أن هناك مجتمعات إسلامية أيضا وكثيرة الناس فيها يبيعون عقيدتهم لقاء كسرة خبز أو جرعة دواء، مضيفا أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قال "أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله"، فالإسلام جعل الأمة مثل الجسد الواحد فإذا فقد الإحساس بفقراء الأمة الإسلامية الذين يبيعون عقيدتهم للمنصريين لقاء كسرة خبز أو جرعة دواء وزعمنا أننا نقوم بفرائض الإسلام فهذا لا يجب أن يكون.
كما تساءل أين توجد ثروات الأمة، مشيرا إلى أنه لابد من الأخذ بزكاة الركاز فالثروة المدفونة فى باطن الأرض بالعالم الإسلامى الزكاة الخاصة بها هى 20% والعالم الإسلامى أغلب ثرواته مركوزة فى باطن الأرض من بترول وغاز ويورانيوم وفحم وغيرهم، مضيفا أن تلك الثروات لو قمنا بإنشاء صندوق لتنمية العالم الإسلامى من زكاة الركاز سننمى العالم الإسلامى بالحلال وعتق رقبانا من صندوق النقد الدولى ومن هيمنة الرأسمالية، مشيرا أن ذلك بند واحد من بنود الزكاة، متسائلا: لماذا علماء المسلمين لا يتحدثون عن تلك الموضوعات فلماذا يتحدثون عن المنكير واللحية وتقصير الجلباب والتدين الشكلى وغفلوا التحدث عن جوهر القضايا الإسلامية التى يعانى منها المسلمون.
وانتقد عمارة ما تقوم به الدول العربية من وضع أموالها فى بنوك الدول الغربية مما أدى إلى ضياع جزء كبير منها فى الأزمة المالية الأخيرة، مشيرا إلى أن ضياع الأموال كان بسبب وضعها فى بنوك ربوية، منتقدا أيضا السياسات العربية فى إضاعة الأموال فى شراء الأسلحة وهى لا تمتلك جيوشا لحمل السلاح وتقوم بوضعها فى الصحراء حتى يأكلها الصدأ والمستفيد هو المصانع الحربية الغربية، كما انتقد أيضا تلك السياسات العربية باستثمار أموالها فى البورصة والتى يعتبرها "قمار، كما هاجم عمارة منظمات حقوق الإنسان ضاربا مثلا بأيام حرب البوسنة والهرسك وقيام تلك المنظمات حينها بتضخيم قضية ختان الإناث بالرغم من أنها ليس لها علاقة بالإسلام بل هى عادة فرعونية جاء الإسلام ليهذبها، وتغاضوا عن الحديث عن اغتصاب ما يقرب من 60 ألف امرأة مسلمة فى معسكرات الصرب، واصفا تلك المنظمات بأنها منظمات مختلقة وممولة من الخارج.
وعن القضية الفلسطينية أكد عمارة أنه يستطيع القول الآن بملء فمه أنه "أخشى أن يكون هذا الجيل الذى نعيش فيه هو جيل العار الذى يشهد ضياع القدس وفلسطين كالجيل الذى شهد ضياع الأندلس"، مضيفا أن هناك صمتا مطبقا وكئيبا من الحكام و المحكومين عن قضية فلسطين وقيامهم بمسرحيات عبثية.